صحيفة الوفاق الإيرانية
دبلوماسي من الطراز الشرقي، وسياسي مارس السياسة في بلاده قبل الانفتاح وبعده وهو منفتح على جميع الآراء.
يتحدث بكل فخر عن المجتمع الشرقي الذي يعتبره صاحب الحضارة العريقة ولن يعتمد على الغرب الا في علومه وتقنياته الحديثة.
حريص على الشرق وتقاليده، ولمّ الشمل بين بلدانه وشعوبه حتى التكامل، هو السفير ليوجين تانك؛ سفير جمهورية الصين الشعبية في طهران الذي خصص صحيفة الوفاق في نهاية مهامه في طهران بحديث خاص حول المرحلة التي عمل كسفير لبلاده في ايران، وهذا بعض ما جاء في الحديث:
بدأ الحديث عن الفترة التي امضاها في الجمهورية السلامية الايرانية كسفيرٍ لجمهورية الصين الشعبية قائلا: انني سأغادر بلادكم في غضون بضعه اسابيع ولذلك فاني اعتبر هذا اللقاء مهماً جداً.
اضاف: ان التعاون بيننا كان جيداً جداً.
لقد امضيت خمس سنوات في بلادكم، وقد شهدت العلاقات بين ايران والصين خلال هذه الاعوام تطوراً ونمواً كبيرين في كافة النواحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية والشعبية. وستشهد هذه العلاقات تطوراً اكثر بدون شك لانها علاقات وطيدة. ويسرني ان انتهز الفرصة هنا لكي اعبر عن شكري العميق لما لقيته من تعاون من الحكومة الايرانية ومختلف الهيئات والمنظمات والمؤسسات الاعلامية ومنها صحيفتكم (الوفاق).
في الواقع شهدت العلاقات بين البلدين تطوراً كبيراً خلال الاعوام الخمسة الماضية. فقد اصبحت ايران عضواً مراقبا في منظمة شنغهاي التي كانت قبل انضمام ايران اليها تمثل ربع سكان العالم لان الصين بتعداد نفوسها الذي يشكل ربع سكان العالم كانت العضو الرئيس فيها. وبعد انضمام ايران وعدد من الدول الاخرى اليها باتت هذه المنظمة تمثل نصف سكان العالم.
فيما يتعلق بالشأن النووي، فان الصين باعتبارها عضواً دائماً في مجلس الامن الدولي كان موقفها دائماً يتجسد في دعم حق ايران في امتلاك التقنية النووية للاغراض السلمية، وهي كانت تدعو دائماً الى اتخاذ سبيل الحوار لحل الخلافات بين ايران واميركا، ومواصلة الحوار بين ايران و اوروبا كما انها عبرت عن رفضها للتهديد باستخدام القوة وهي كانت تدعم حل الخلافات بالطرق السلمية، فالصين بلد متمسك بالقوانين الدولية وهي ترفض انتشار اسلحة الدمار الشامل وتحترم الشرعية الدولية.
من المنجزات الاخرى التي تحققت خلال الفترة الماضية تأسيس اتحاد البرلمانات الآسيوية، وهناك تنسيق كامل بين ايران والصين فيما يتعلق بهذا الامر، وان اصدقاء ايران يؤدون دوراً فاعلاً وجيداً في هذا المجال.
اما من الناحية الاقتصادية فاني اشعر بالارتياح لسير نمو وتطور العلاقات الاقتصادية بين ايران والصين.
فعند تسلمي لمهام عملي كسفير للصين في ايران عام ۲۰۰۲ كان حجم التبادل الاقتصادي بين البلدين ۷/۳ مليار دولار. وقد اتخذ هذا التبادل منحى تصاعدياً خلال الاعوام الماضية حتى وصل خلال العام الحالي الى ۲۰ مليار دولار. اي ان حجم التبادل التجاري بين البلدين قد سجل ارتفاعاً بنسبة حوالي ۵ أضعاف خلال السنوات الخمس الماضية.
كما تم خلال هذه الفترة انجاز الكثير من المشاريع الاقتصادية المشتركة في مجالات البنى التحتية مثل النفط وانشاء السدود ومحطات توليد الطاقة الكهربائية وانتاج النحاس. وهناك الآن اربع شركات صينية مختصة في حقل المواصلات تعمل على انجاز العديد من المشاريع في كافة المحافظات الايرانية البالغ عددها ثلاثين محافظة كما ان هناك شركات صينية مشاركة في مناقصات لانجاز مشاريع في مجال الاتصالات مثل مشروع تأسيس القناة الرئيسية للالياف الضوئية، وشركة اخرى تحاول المشاركة مع شركات ايرانية لانجاز مشاريع للصناعات الالكترونية مناصفة بين البلدين.
ومن المناسب هنا أن اذكر بأن 45 % من الصينيين يستعملون الهاتف النقال، فان هذه الوسيلة تستعمل حتى في قرى وارياف الصين. وهذه تعتبر نسبة كبيرة جداً كما تلاحظون. في حين ان هذه النسبة في ايران تبلغ حالياً 29 % اي اقل من الثلث، وهي نسبة قليلة جداً قياساً الى عدد نفوس ايران.
والسبب في انخفاض هذه النسبة في بلادكم يعود الى السعر المفروض على التسجيل على هذه الخدمة، الى جانب كون سعة القنوات عندكم محدودة.
وعلى هذا الاساس اود ان اعلن لكم بان الصين على استعداد للمشاركة مع ايران في مشاريع لتطوير هذا الحقل بمايكون فيه صالح كلا البلدين وبحيث يعم خبرها على الجميع. ان الصين بلد صديق لكم، ونحن بامكاننا العمل معكم في تطوير هذا المجال. اما بالنسبة للمشاريع الاخرى، فهناك مشاريع الالمينيوم، ومد خط انا بيب الغاز الطبيعي من ايران الى الهند والباكستان.
من جهة أخرى بدأت الصين العمل في تنفيذ مشروع طريق المرور السريع (اوتوستراد) الذي يربط طهران بشمال ايران والذي بعد انجازه سيختصر المسافة التي يقطعها المسافرون بين المنطقين بنسبة حوالي ثلاث ساعات.
كما ان هناك مفاوضات تجري بين البلدين بشأن نقل الغاز الطبيعي من حقلي يادآوران وفارس الشمالي بواسطة البواخر الى الصين. ومشاريع أخرى في مجال السكك الحديد منها مشروع مدخط سكة حديد خاص بالقطارات السريعة التي تبلغ سرعتها ۳۰۰ كلم/ ساعة بين مدينتي طهران ومشهد والمحافظات الاخرى والذي تجري حالياً مفاوضات بشأنه.
وهنا كذلك العديد من المشاريع في المجالات الاخرى تجري مفاوضات بشأنها بين الشركات الصينية والمؤسسات الايرانية ذات العلاقة.
اما في المجال الثقافي فهناك تعاون جيد قائم بين البلدين، من احد مظاهره اقامة الاسابيع الثقافية لكل بلد في البلد الآخر. كما ان هناك تبادلا للوفود الثقافية والدينية والادبية، اضافة الى التعاون المشترك في حقل التنقيب عن الآثار وتطوير الاماكن السياحية في ايران واحياء طريق الحرير البري والبحري.
اما بالنسبة للسياحة فقد بدأت شركات السياحة الصينية منذ شهر سبتمبر الماضي بالقيام برحلات سياحية الى ايران. وبالمقابل فان هناك شركات طيران ايرانية دخلت الصين فهناك الآن اربع رحلات الى مدن في الصين عدا بكين، وذلك لسد حاجة الراغبين في السفر الى الصين وقد اتخذ عدد الزوار الايرانيين للصين سيرا تصاعدياً خلال الفترة الماضية. ففي عام ۲۰۰۰ اي قبل استقراري في ايران كان عدد الزوار الايرانيين للصين عشرة آلاف شخص، في حين وصل هذا العدد الآن الى ما يزيد على 50 ألفا اي انه قد تضاعف 5 مرات خلال السنوات الخمس الماضية.
ان العلاقات الثنائية بين بلدينا نموذجية ويسودها الوئام والتفاهم والصداقة والمصالح المتبادلة وهي تصب في خدمة وصالح الشعبين والبلدين الصديقين.
وكما تعلمون فان النمو الاقتصادي في الصين يسير الآن بخطى سريعة، هذا من جهة. ومن جهة اخرى تمر ايران في مرحلة تنفيذ الخطة العشرينية وتنفيذ المادة 44 من الدستور الايراني والتي من ابرز سماتها الخصخصة وهي سياسة جديدة عندكم، كما ان احدى سمات سياسة ايران الحالية هو اتجاهها نحو التعامل مع الشرق.
وعلى هذا الاساس فاني اشعر بالتفاؤل كثيراً لمستقبل التعاول الثنائي بين البلدين.
والآن اود ان اتطرق الى شرح لمسيرة التنمية في الصين خلال الاعوام التسعة والعشرين الماضية اي منذ عام ۱۹۷۸ وهو عام تطبيق سياسة الاصلاحات ومرحلة الانفتاح الاقتصادي في بلادنا.
فمنذ عام ۱۹۷۸ حدث تطور كبير في الصين في كافة المجالات. فعلى سبيل المثال كان متوسط عمر الانسان الصيني في بداية الخمسينات ۳۵ عاماً، في حين ازداد هذا المعدل حتى وصل الآن الى ۷۲ عاماً اي بزيادة ضعفين عما كان عليه في الخمسينات من القرن الماضي.
ان اهم نقطة يمكن من خلالها لمس مدى التطور الاقتصادي ونموه في الصين هو معدل انتاج الحديد. فقد كان معدل انتاج الحديد في الصين في بداية عقد الخمسينات من القرن الماضي150 الف طن سنوياً فقط. اما في عام ۲۰۰۷ فقد بلغ 500 مليون طن في العام، هذا العدد يمثل اكثر من مجموع انتاج الحديد في روسيا واميركا واليابان.
كذلك يمكن القول بأن الصين بلد الطاقة لكن اعتمادنا في الدرجة الاولى هو على الفحم الحجري. وقد بلغ انتاج الصين من هذه المادة خلال العام الماضي مليارين وثلاثمائة مليون طن.
اما الاسمنت الذي يعتبر من المواد الانشائية الرئيسية فقد وصل انتاج الصين منه خلال العام الماضي الى مليار ومائتي مليون طن.
من ناحية اخرى تعتبر الصين من اكبر البلدان الزراعية في الوقت الحاضر. وقد وصل انتاجنا من الحبوب الغذائية الى حوالي خمسمائة مليون طن في العام الماضي.
اما انتاج الصين من الاسماك فقد بلغ ۴۸ مليون طن.
وقد وصل معدل الدخل الوطني في الصين الى حوالي تريليونين وسبع وخمسين مليار دولار.
وبذلك تكون الصين قد احتلت المركز الرابع في هذا المجال في العالم بعد الولايات المتحدة الاميركية واليابان والمانيا.
اما بالنسبة للتبادل التجاري الصيني مع الخارج فقد وصل خلال العام الماضي الى تريلون وسبعمائة وستين مليار دولار ما يضع الصين في المركز الثالث بعد الولايات المتحدة الامريكية والمانيا، ومن المتوقع ان تتقدم في نهاية العام الحالي على المانيا لتحتل المركز الثاني في العالم.
وكانت الصين كذلك خلال العام المنصرم تحتل المركز الاول في امتلاكها لاحتياطي العملة الصعبة وذلك بامتلاكها لاكثر من ۱۰۰۰ مليار دولار والذي سيرتفع خلال العام الحالي بالتأكيد.
ان عدد سكان الصين يزيد عن مليار وثلاثمائة ميليون (1.300.000.000) نسمة، لذلك فان معدل الدخل الفردي فيها خلال عام 2004 كان 2034 دولاراً. وعلى هذا فهي تحتل المركز الخامس بعد المائة في العالم. ومع ذلك فان حوالي ۲۰ مليونا من الصينيين مازالوا يعيشون تحت خط الفقر وهو عدد كبير نسبياً. علماً بان هذا العدد كان في عام ۱۹۷۸ (اي قبل تطبيق سياسة الاصلاحات والانفتاح الاقتصادي) كان ۳۰۰ مليون شخص. وتشهد الصين نمواً اجتماعياً سريعاً جداً وهي تعتمد على التعليم والتكنولوجيا. ولهذا بذلت الصين جهداً كبيراً لتطوير التعليم المهني وغير المهني. ان عدد طلاب المدارس في الصين هو (350 مليون) طالب. وهذا العدد يمثل ربع سكان البلاد وهم الاطفال والشباب، في حين ان عدد المدارس فيها اكثر من مليون مدرسة تشمل كافة المراحل الدراسية.
ويبلغ عدد الجامعات في الصين اكثر من 1000 جامعة ويبلغ عدد الطلاب في هذه الجامعات 20 مليون طالب يتخرج سنوياً ۵ ملايين طالب منهم.
كما ان عدداً كبيراً يدرسون خارج الجامعات وعن بعد عبر الوسائل الالكترونية والتلفزيون وهؤلاء يبلغ عددهم اكثر من ستة ملايين شخص.
ومنذ اكثر من 15 عاماً بدأت الصين بتطبيق خطة لتوسيع وتطوير قاعدة التعليم المهني في البلاد. فبعد انهاء الطالب للدراسة الاعدادية وتخرجه منها يلتحق باحدى المدارس المهنية. وهذا امر على قدر كبير من الاهمية بالنسبة لنا، فنحن نريد تربية اجيال من العمال القادرين على تحقيق طموحات البلاد في مجال تطوير التكنولوجيا.
والتكنولوجيا في الصين تتقدم بخطى متسارعة وأحد اسباب ذلك هو الاعتماد على خطة لتشجيع الشركات الاجنبية على الاستثمار في الصين. فهناك الآن اكثر من 500 الف شركة اجنبية تعمل في مجال الاستثمار في الصين ويبلغ مقدار استثماراتها 900 مليار دولار. وهذا الامر يساهم في جلب الاموال والتكنولوجيا للبلاد وحصولنا تبعاً لذلك على احدث انواع التكنولوجيا في العالم وهو اهم شيء بالنسبة لنا في المرحلة الراهنة.
من ناحية اخرى وكما تعلمون فان التنمية الاقتصادية لها علاقة وثيقة بالتعليم الجامعي. والعاملان اللذان سبقت الاشارة اليهما هما من اهم العوامل التي ساهمت في تطور الصين الاقتصادي والصناعي.
تعلمون بأن الصين كانت اول من اخترع الورق والطباعة في العالم. وكانت الطباعة تتم بواسطة قوالب حديدية اونحاسية. ولكن منذ الثمانينات ابتكرت الصين طريقة جديدة يمكن بواسطتها التصوير والطبع في آن واحد. وهذا يعتبر في الواقع تقدماً كبيراً في هذا المجال.
اما بشأن الحضور الصناعي الايراني والاستثمارات الايرانية في الصين والتعاون المتبادل بين البلدين في هذا المجال، فقد اتخذت الاستثمارات الايرانية خطوات جيدة في هذا الصدد. فعلى سبيل المثال تمكنت شركة ايران خودرو لصناعة السيارات من الدخول الى الصين ولكن ليس بحجم كبير وبالمقابل هناك شركات صينية لصناعة السيارات دخلت السوق الايرانية، منها الشركة التي تقوم بصناعة سيارات كيوكيو (ر ر) و(تشيري) بالتعاون مع شركة ايران خودرو. وهناك عدة مصانع للسيارات الصينية حالياً في مدن كرج وساري (في محافظة مازندران) وتبريز (في محافظة آذربايجان) تقوم بتصنيع هذه السيارات. وقد وصل حجم انتاج السيارات في الصين في العام الماضي الى اكثر من ۷ ملايين سيارة كبيرة وصغيرة، ومن المتوقع ان يرتفع هذا العدد خلال العام الحالي ليصل الى ۸ ملايين سيارة. وبذلك تعتبر الصين من اهم البلدان في مجال انتاج السيارات.
وعن ذكرياته خلال فترة مهامه في ايران قال السفير ليوجين تانك:
ايران بلاد عظيمة تمتلك حضارة عريقة وثقافة عميقة. وهنا يتبادر الى الذهن هذا التساؤل:
لماذا يا ترى اعلنت الامم المتحدة عام 2000 عاماً لحوار الحضارات؟ ان السبب في ذلك يعود الى ان الرئيس الايراني السابق السيد محمد خاتمي قدم ذلك الاقتراح ومن ثم تبنته الامم المتحدة.
وهنا نتساءل لماذا لم تطرح بلدان اخرى مثل هذه الفكرة؟! ان السبب هو ان ايران هي من اعرق دول العالم تاريخياً فهي ذات حضارة عريقة وعظيمة ولها مقومات معنوية وثقافية وادبية وفكرية كبيرة تؤهلها لتقديم مثل هذه المشاريع والمقترحات.
انا معجب كثيراً بحضارة ايران في مختلف المجالات، والتي تدل عليها الآثار القديمة التي توجد في هذا البلد الى جانب الكتب والابنية والمساجد التي تمتاز بفنون الزخرفة والزينة التراثية البالغة في العراقة والقدم، وهي حضارة تغوص في اعماق التاريخ وتمتد لآلاف السنين.
ان الصين في الواقع قد تعلمت واكتسبت الكثير من الحضارة الايرانية عبر التاريخ وفي كافة المجالات ومنها الثقافية والزراعية وكذلك ما يتعلق منها بالجانب المعنوي والروحي.
انا شخصياً عندي انطباع عميق بأن الايرانيين شعب وقومية عظيمة ذات عزة وشرف وكبرياء وثقة بالنفس، وهي اسس مهمة جداً ولها الاثر الكبير في تقدم وتطور اي بلد يمتلك مثل هذه المقومات.
في الحقيقة يبدو اني منحاز لكم. انتم تمتلكون اكثر من 60 بالمئة من مصادر التغيير، فانتم تملكون مصادر الطاقة الرئيسية المتمثلة بالنفط والغاز الطبيعي والفحم الحجري، اضافة الى ما تملكونه من انواع المعادن كالنحاس والحديد وغيرها. فالمصادر الطبيعية في ايران كثيرة ومتوفرة وانتم تقومون بانتاجها. انتم مثلاً تحتلون المركز الثاني بعد المملكة العربية السعودية من ناحية احتياطي النفط، وتأتون في المركز الثاني بعد روسيا في الغاز الطبيعي، اما النحاس فتحتلون فيه المركز الثالث بعد زامبيا وشيلي. كما تمتازون بامتلاككم لبعض البضائع والمنتجات المهمة كالسجاد والفستق والزعفران.
ان الشعب الايراني شعب راق جداً. فهو شعب يحترم العلاقات الاسرية والاجتماعية حيث يوجد بين ابناء الشعب احترام متبادل. كذلك تهتمون بالنظافة وحماية البيئة وزراعة الاشجار. لقد زرت اكثر من ۶۰ بلداً في العالم، ولاحظت بأن ايران تحتل مركزاً متقدماً في مجال حماية البيئة وهي واحدة من افضل البلدان في هذا الحقل. كما يتميز الشعب الايراني بحسن التعامل الاجتماعي مع الضعفاء والكبار ويتميزون كذلك بانهم يساعدون المظلومين الذين تطلقون عليهم مصطلح المستضعفين.
الشيء الآخر الذي اثار اعجابي في ايران هو احترامكم الكبير للشهداء. فحيثما ذهبت وجدت صور الشهداء ومعظم شوارعكم مسماة باسماء الشهداء وفي الحوزة العلمية هناك صور للشهداء الى جانب صورة الامام الخميني والقائد الخامنئي كما ان لديكم مناسبات ايضاً باسم الشهداء. الشعب كله يكن احتراماً خاصاً للشهداء وارواح الشهداء.
وهذا طبعاً مصدره هو اتباعكم لنهج الامام الحسين الشهيد (ع) واهتمامكم باقامة مراسم عاشوراء. لقد قرأت عن الامام الحسين (ع). ان روحه تعيش عندكم رغم انه عربي المولد والمنشأ. انه اهم شهدائكم وأنا معجب به للغاية.
وعن اجمل ذكرياته في ايران والخواطر المميزة في هذا الفترة خاصة وانه يتقن العربية والفارسية قال السفير تانك: بالطبع لدي ذكريات، ان ايران بلد جميل جداً. وانا معجب جداً بالسيد الخامنئي. لقد شاهدته حين كان يتكلم بالعربية واندهشت لاتقانه لها. انه رجل عظيم ذو روح عظيمة ويتكلم العربية بطلاقة وبصورة مضبوطة مائة في المائة. هو يتكلم بنفس اللهجة العربية التي يتكلم بها العرب ولا يمكن ان تفرق بينه وبين العرب حين يتكلم بهذه اللغة. انا معجب به للغاية.
اما بالنسبة لرئيس الجمهورية السيد احمدي نجاد فقد كنت التقيت به بشكل مباشر عندما كان رئيساً لبلدية طهران. كما التقيته بصورة غير مباشرة في مراسم افتتاح بعض المشاريع الايرانية الصينية المشتركة. هو غني عن الوصف والتعريف، انه متواضع جداً ومنضبط جداً. هو يقود سيارته البيجو العادية بنفسه ويسكن في منطقة متواضعة في طهران، ورصيده المصرفي صفر. ان صفاته هذه تثير اعجابي كثيراً.
الشيء الآخر الذي يثير اعجابي في ايران هم الأكاديميون (الجامعيون) والمثقفون. لقد وجدت ايران بلد الحريات والديمقراطية فالجميع بامكانهم التعبير عن وجهة نظرهم بكل حرية، وقد لا حظت ان الصحف بامكانها توجيه النقد للحكومة. انا معجب بمثقفيكم فهم يمتازون بالحكمة والدراية والفكر.
الناحية الاخرى التي تعجبني في ايران هو انه يوّجد عندكم الكثير من مراكز البحوث والدراسات التي اعتبرها من وجهة نظري الشخصية بنوكاً للفكر والمعلومات التي لا يوجد نظير لها في اي بلد آخر.
وحول موقعه المتوقع في الصين بعد عودته من ايران قال: بصراحة شديدة كان من المفترض لي ان اتقاعد عن العمل قبل عامين اي في نهاية عام ،2005 لأن سن التقاعد حسب القانون الصيني هو .60 وانا من مواليد ،1945 وبذلك كان من المفروض ان احال على التقاعد عام 2005 كما قلت. ولكني لم اتقاعد في حينها لان الحكومة الصينية تعتبر ايران من اهم البلدان في هذه المنطقة من العالم وتعير اهمية خاصة للعلاقات مع هذا البلد. وكان علي كدبلوماسي مخضرم ان اخدم مدة اطول من اجل تعميق العلاقات بين البلدين. وقد كان لي الشرف الكبير بأن اخدم البلدين لمدة خمس سنوات حيث تعلمت واستفدت كثيراً واكتسبت الكثير من الخبرة والتجارب طوال تلك المدة. بعد عودتي الى الصين وتقاعدي اود الانضمام الى اية منظمة شعبية تعمل في صالح خدمة العلاقات بين الصين وايران وذلك من اجل متابعة مايجري في ايران. فالبلدان كانا من اكثر البلدان تعاملاً وتقارباً منذ آلاف السنين، ويجب علينا متابعة هذه المسيرة حاضراً ومستقبلاً لان لدينا معاناة مشتركة وتاريخاً مشتركاً واحداثاً مشتركة ومستقبلاً مشتركاً. كلانا يريد الخير والاستقرار والسلام للجميع والازدهار والرفاهية لشعبينا. لهذا ارجو من كل من يعمل في ايران ومن كل اصدقائنا فيها ان يتابع المسيرة خدمة لشعبينا وبلدينا. وارجو من ايران حكومة وشعباً ان تعتبر الصين من اهم اصدقائها واعتبارها جديرة بالثقة وان لا تتردد في التعاون معها، رغم ان هناك اختلافاً بينهما من ناحية العقيدة والطقوس والعادات ولكن التاريخ يشهد بان البلدين صديقان وليس هناك ما يمنع التعاون العميق والواسع بينهما.
تعالوا ننظر معاً للمستقبل. ان معدل النمو في الصين حالياً هو من اسرع معدلات النمو في العالم، فقد وصل معدل هذا النمو خلال العام الحالي الى 11.3%. اتمنى من ايران كبلد صديق استغلال سرعة النمو الاقتصادي الصيني وبذل مزيد من الجهد في سبيل تعزيز مسيرة التعاون بين البلدين خدمة للمصالح المتبادلة وخدمة لشعبينا.
دبلوماسي من الطراز الشرقي، وسياسي مارس السياسة في بلاده قبل الانفتاح وبعده وهو منفتح على جميع الآراء.
يتحدث بكل فخر عن المجتمع الشرقي الذي يعتبره صاحب الحضارة العريقة ولن يعتمد على الغرب الا في علومه وتقنياته الحديثة.
حريص على الشرق وتقاليده، ولمّ الشمل بين بلدانه وشعوبه حتى التكامل، هو السفير ليوجين تانك؛ سفير جمهورية الصين الشعبية في طهران الذي خصص صحيفة الوفاق في نهاية مهامه في طهران بحديث خاص حول المرحلة التي عمل كسفير لبلاده في ايران، وهذا بعض ما جاء في الحديث:
بدأ الحديث عن الفترة التي امضاها في الجمهورية السلامية الايرانية كسفيرٍ لجمهورية الصين الشعبية قائلا: انني سأغادر بلادكم في غضون بضعه اسابيع ولذلك فاني اعتبر هذا اللقاء مهماً جداً.
اضاف: ان التعاون بيننا كان جيداً جداً.
لقد امضيت خمس سنوات في بلادكم، وقد شهدت العلاقات بين ايران والصين خلال هذه الاعوام تطوراً ونمواً كبيرين في كافة النواحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية والشعبية. وستشهد هذه العلاقات تطوراً اكثر بدون شك لانها علاقات وطيدة. ويسرني ان انتهز الفرصة هنا لكي اعبر عن شكري العميق لما لقيته من تعاون من الحكومة الايرانية ومختلف الهيئات والمنظمات والمؤسسات الاعلامية ومنها صحيفتكم (الوفاق).
في الواقع شهدت العلاقات بين البلدين تطوراً كبيراً خلال الاعوام الخمسة الماضية. فقد اصبحت ايران عضواً مراقبا في منظمة شنغهاي التي كانت قبل انضمام ايران اليها تمثل ربع سكان العالم لان الصين بتعداد نفوسها الذي يشكل ربع سكان العالم كانت العضو الرئيس فيها. وبعد انضمام ايران وعدد من الدول الاخرى اليها باتت هذه المنظمة تمثل نصف سكان العالم.
فيما يتعلق بالشأن النووي، فان الصين باعتبارها عضواً دائماً في مجلس الامن الدولي كان موقفها دائماً يتجسد في دعم حق ايران في امتلاك التقنية النووية للاغراض السلمية، وهي كانت تدعو دائماً الى اتخاذ سبيل الحوار لحل الخلافات بين ايران واميركا، ومواصلة الحوار بين ايران و اوروبا كما انها عبرت عن رفضها للتهديد باستخدام القوة وهي كانت تدعم حل الخلافات بالطرق السلمية، فالصين بلد متمسك بالقوانين الدولية وهي ترفض انتشار اسلحة الدمار الشامل وتحترم الشرعية الدولية.
من المنجزات الاخرى التي تحققت خلال الفترة الماضية تأسيس اتحاد البرلمانات الآسيوية، وهناك تنسيق كامل بين ايران والصين فيما يتعلق بهذا الامر، وان اصدقاء ايران يؤدون دوراً فاعلاً وجيداً في هذا المجال.
اما من الناحية الاقتصادية فاني اشعر بالارتياح لسير نمو وتطور العلاقات الاقتصادية بين ايران والصين.
فعند تسلمي لمهام عملي كسفير للصين في ايران عام ۲۰۰۲ كان حجم التبادل الاقتصادي بين البلدين ۷/۳ مليار دولار. وقد اتخذ هذا التبادل منحى تصاعدياً خلال الاعوام الماضية حتى وصل خلال العام الحالي الى ۲۰ مليار دولار. اي ان حجم التبادل التجاري بين البلدين قد سجل ارتفاعاً بنسبة حوالي ۵ أضعاف خلال السنوات الخمس الماضية.
كما تم خلال هذه الفترة انجاز الكثير من المشاريع الاقتصادية المشتركة في مجالات البنى التحتية مثل النفط وانشاء السدود ومحطات توليد الطاقة الكهربائية وانتاج النحاس. وهناك الآن اربع شركات صينية مختصة في حقل المواصلات تعمل على انجاز العديد من المشاريع في كافة المحافظات الايرانية البالغ عددها ثلاثين محافظة كما ان هناك شركات صينية مشاركة في مناقصات لانجاز مشاريع في مجال الاتصالات مثل مشروع تأسيس القناة الرئيسية للالياف الضوئية، وشركة اخرى تحاول المشاركة مع شركات ايرانية لانجاز مشاريع للصناعات الالكترونية مناصفة بين البلدين.
ومن المناسب هنا أن اذكر بأن 45 % من الصينيين يستعملون الهاتف النقال، فان هذه الوسيلة تستعمل حتى في قرى وارياف الصين. وهذه تعتبر نسبة كبيرة جداً كما تلاحظون. في حين ان هذه النسبة في ايران تبلغ حالياً 29 % اي اقل من الثلث، وهي نسبة قليلة جداً قياساً الى عدد نفوس ايران.
والسبب في انخفاض هذه النسبة في بلادكم يعود الى السعر المفروض على التسجيل على هذه الخدمة، الى جانب كون سعة القنوات عندكم محدودة.
وعلى هذا الاساس اود ان اعلن لكم بان الصين على استعداد للمشاركة مع ايران في مشاريع لتطوير هذا الحقل بمايكون فيه صالح كلا البلدين وبحيث يعم خبرها على الجميع. ان الصين بلد صديق لكم، ونحن بامكاننا العمل معكم في تطوير هذا المجال. اما بالنسبة للمشاريع الاخرى، فهناك مشاريع الالمينيوم، ومد خط انا بيب الغاز الطبيعي من ايران الى الهند والباكستان.
من جهة أخرى بدأت الصين العمل في تنفيذ مشروع طريق المرور السريع (اوتوستراد) الذي يربط طهران بشمال ايران والذي بعد انجازه سيختصر المسافة التي يقطعها المسافرون بين المنطقين بنسبة حوالي ثلاث ساعات.
كما ان هناك مفاوضات تجري بين البلدين بشأن نقل الغاز الطبيعي من حقلي يادآوران وفارس الشمالي بواسطة البواخر الى الصين. ومشاريع أخرى في مجال السكك الحديد منها مشروع مدخط سكة حديد خاص بالقطارات السريعة التي تبلغ سرعتها ۳۰۰ كلم/ ساعة بين مدينتي طهران ومشهد والمحافظات الاخرى والذي تجري حالياً مفاوضات بشأنه.
وهنا كذلك العديد من المشاريع في المجالات الاخرى تجري مفاوضات بشأنها بين الشركات الصينية والمؤسسات الايرانية ذات العلاقة.
اما في المجال الثقافي فهناك تعاون جيد قائم بين البلدين، من احد مظاهره اقامة الاسابيع الثقافية لكل بلد في البلد الآخر. كما ان هناك تبادلا للوفود الثقافية والدينية والادبية، اضافة الى التعاون المشترك في حقل التنقيب عن الآثار وتطوير الاماكن السياحية في ايران واحياء طريق الحرير البري والبحري.
اما بالنسبة للسياحة فقد بدأت شركات السياحة الصينية منذ شهر سبتمبر الماضي بالقيام برحلات سياحية الى ايران. وبالمقابل فان هناك شركات طيران ايرانية دخلت الصين فهناك الآن اربع رحلات الى مدن في الصين عدا بكين، وذلك لسد حاجة الراغبين في السفر الى الصين وقد اتخذ عدد الزوار الايرانيين للصين سيرا تصاعدياً خلال الفترة الماضية. ففي عام ۲۰۰۰ اي قبل استقراري في ايران كان عدد الزوار الايرانيين للصين عشرة آلاف شخص، في حين وصل هذا العدد الآن الى ما يزيد على 50 ألفا اي انه قد تضاعف 5 مرات خلال السنوات الخمس الماضية.
ان العلاقات الثنائية بين بلدينا نموذجية ويسودها الوئام والتفاهم والصداقة والمصالح المتبادلة وهي تصب في خدمة وصالح الشعبين والبلدين الصديقين.
وكما تعلمون فان النمو الاقتصادي في الصين يسير الآن بخطى سريعة، هذا من جهة. ومن جهة اخرى تمر ايران في مرحلة تنفيذ الخطة العشرينية وتنفيذ المادة 44 من الدستور الايراني والتي من ابرز سماتها الخصخصة وهي سياسة جديدة عندكم، كما ان احدى سمات سياسة ايران الحالية هو اتجاهها نحو التعامل مع الشرق.
وعلى هذا الاساس فاني اشعر بالتفاؤل كثيراً لمستقبل التعاول الثنائي بين البلدين.
والآن اود ان اتطرق الى شرح لمسيرة التنمية في الصين خلال الاعوام التسعة والعشرين الماضية اي منذ عام ۱۹۷۸ وهو عام تطبيق سياسة الاصلاحات ومرحلة الانفتاح الاقتصادي في بلادنا.
فمنذ عام ۱۹۷۸ حدث تطور كبير في الصين في كافة المجالات. فعلى سبيل المثال كان متوسط عمر الانسان الصيني في بداية الخمسينات ۳۵ عاماً، في حين ازداد هذا المعدل حتى وصل الآن الى ۷۲ عاماً اي بزيادة ضعفين عما كان عليه في الخمسينات من القرن الماضي.
ان اهم نقطة يمكن من خلالها لمس مدى التطور الاقتصادي ونموه في الصين هو معدل انتاج الحديد. فقد كان معدل انتاج الحديد في الصين في بداية عقد الخمسينات من القرن الماضي150 الف طن سنوياً فقط. اما في عام ۲۰۰۷ فقد بلغ 500 مليون طن في العام، هذا العدد يمثل اكثر من مجموع انتاج الحديد في روسيا واميركا واليابان.
كذلك يمكن القول بأن الصين بلد الطاقة لكن اعتمادنا في الدرجة الاولى هو على الفحم الحجري. وقد بلغ انتاج الصين من هذه المادة خلال العام الماضي مليارين وثلاثمائة مليون طن.
اما الاسمنت الذي يعتبر من المواد الانشائية الرئيسية فقد وصل انتاج الصين منه خلال العام الماضي الى مليار ومائتي مليون طن.
من ناحية اخرى تعتبر الصين من اكبر البلدان الزراعية في الوقت الحاضر. وقد وصل انتاجنا من الحبوب الغذائية الى حوالي خمسمائة مليون طن في العام الماضي.
اما انتاج الصين من الاسماك فقد بلغ ۴۸ مليون طن.
وقد وصل معدل الدخل الوطني في الصين الى حوالي تريليونين وسبع وخمسين مليار دولار.
وبذلك تكون الصين قد احتلت المركز الرابع في هذا المجال في العالم بعد الولايات المتحدة الاميركية واليابان والمانيا.
اما بالنسبة للتبادل التجاري الصيني مع الخارج فقد وصل خلال العام الماضي الى تريلون وسبعمائة وستين مليار دولار ما يضع الصين في المركز الثالث بعد الولايات المتحدة الامريكية والمانيا، ومن المتوقع ان تتقدم في نهاية العام الحالي على المانيا لتحتل المركز الثاني في العالم.
وكانت الصين كذلك خلال العام المنصرم تحتل المركز الاول في امتلاكها لاحتياطي العملة الصعبة وذلك بامتلاكها لاكثر من ۱۰۰۰ مليار دولار والذي سيرتفع خلال العام الحالي بالتأكيد.
ان عدد سكان الصين يزيد عن مليار وثلاثمائة ميليون (1.300.000.000) نسمة، لذلك فان معدل الدخل الفردي فيها خلال عام 2004 كان 2034 دولاراً. وعلى هذا فهي تحتل المركز الخامس بعد المائة في العالم. ومع ذلك فان حوالي ۲۰ مليونا من الصينيين مازالوا يعيشون تحت خط الفقر وهو عدد كبير نسبياً. علماً بان هذا العدد كان في عام ۱۹۷۸ (اي قبل تطبيق سياسة الاصلاحات والانفتاح الاقتصادي) كان ۳۰۰ مليون شخص. وتشهد الصين نمواً اجتماعياً سريعاً جداً وهي تعتمد على التعليم والتكنولوجيا. ولهذا بذلت الصين جهداً كبيراً لتطوير التعليم المهني وغير المهني. ان عدد طلاب المدارس في الصين هو (350 مليون) طالب. وهذا العدد يمثل ربع سكان البلاد وهم الاطفال والشباب، في حين ان عدد المدارس فيها اكثر من مليون مدرسة تشمل كافة المراحل الدراسية.
ويبلغ عدد الجامعات في الصين اكثر من 1000 جامعة ويبلغ عدد الطلاب في هذه الجامعات 20 مليون طالب يتخرج سنوياً ۵ ملايين طالب منهم.
كما ان عدداً كبيراً يدرسون خارج الجامعات وعن بعد عبر الوسائل الالكترونية والتلفزيون وهؤلاء يبلغ عددهم اكثر من ستة ملايين شخص.
ومنذ اكثر من 15 عاماً بدأت الصين بتطبيق خطة لتوسيع وتطوير قاعدة التعليم المهني في البلاد. فبعد انهاء الطالب للدراسة الاعدادية وتخرجه منها يلتحق باحدى المدارس المهنية. وهذا امر على قدر كبير من الاهمية بالنسبة لنا، فنحن نريد تربية اجيال من العمال القادرين على تحقيق طموحات البلاد في مجال تطوير التكنولوجيا.
والتكنولوجيا في الصين تتقدم بخطى متسارعة وأحد اسباب ذلك هو الاعتماد على خطة لتشجيع الشركات الاجنبية على الاستثمار في الصين. فهناك الآن اكثر من 500 الف شركة اجنبية تعمل في مجال الاستثمار في الصين ويبلغ مقدار استثماراتها 900 مليار دولار. وهذا الامر يساهم في جلب الاموال والتكنولوجيا للبلاد وحصولنا تبعاً لذلك على احدث انواع التكنولوجيا في العالم وهو اهم شيء بالنسبة لنا في المرحلة الراهنة.
من ناحية اخرى وكما تعلمون فان التنمية الاقتصادية لها علاقة وثيقة بالتعليم الجامعي. والعاملان اللذان سبقت الاشارة اليهما هما من اهم العوامل التي ساهمت في تطور الصين الاقتصادي والصناعي.
تعلمون بأن الصين كانت اول من اخترع الورق والطباعة في العالم. وكانت الطباعة تتم بواسطة قوالب حديدية اونحاسية. ولكن منذ الثمانينات ابتكرت الصين طريقة جديدة يمكن بواسطتها التصوير والطبع في آن واحد. وهذا يعتبر في الواقع تقدماً كبيراً في هذا المجال.
اما بشأن الحضور الصناعي الايراني والاستثمارات الايرانية في الصين والتعاون المتبادل بين البلدين في هذا المجال، فقد اتخذت الاستثمارات الايرانية خطوات جيدة في هذا الصدد. فعلى سبيل المثال تمكنت شركة ايران خودرو لصناعة السيارات من الدخول الى الصين ولكن ليس بحجم كبير وبالمقابل هناك شركات صينية لصناعة السيارات دخلت السوق الايرانية، منها الشركة التي تقوم بصناعة سيارات كيوكيو (ر ر) و(تشيري) بالتعاون مع شركة ايران خودرو. وهناك عدة مصانع للسيارات الصينية حالياً في مدن كرج وساري (في محافظة مازندران) وتبريز (في محافظة آذربايجان) تقوم بتصنيع هذه السيارات. وقد وصل حجم انتاج السيارات في الصين في العام الماضي الى اكثر من ۷ ملايين سيارة كبيرة وصغيرة، ومن المتوقع ان يرتفع هذا العدد خلال العام الحالي ليصل الى ۸ ملايين سيارة. وبذلك تعتبر الصين من اهم البلدان في مجال انتاج السيارات.
وعن ذكرياته خلال فترة مهامه في ايران قال السفير ليوجين تانك:
ايران بلاد عظيمة تمتلك حضارة عريقة وثقافة عميقة. وهنا يتبادر الى الذهن هذا التساؤل:
لماذا يا ترى اعلنت الامم المتحدة عام 2000 عاماً لحوار الحضارات؟ ان السبب في ذلك يعود الى ان الرئيس الايراني السابق السيد محمد خاتمي قدم ذلك الاقتراح ومن ثم تبنته الامم المتحدة.
وهنا نتساءل لماذا لم تطرح بلدان اخرى مثل هذه الفكرة؟! ان السبب هو ان ايران هي من اعرق دول العالم تاريخياً فهي ذات حضارة عريقة وعظيمة ولها مقومات معنوية وثقافية وادبية وفكرية كبيرة تؤهلها لتقديم مثل هذه المشاريع والمقترحات.
انا معجب كثيراً بحضارة ايران في مختلف المجالات، والتي تدل عليها الآثار القديمة التي توجد في هذا البلد الى جانب الكتب والابنية والمساجد التي تمتاز بفنون الزخرفة والزينة التراثية البالغة في العراقة والقدم، وهي حضارة تغوص في اعماق التاريخ وتمتد لآلاف السنين.
ان الصين في الواقع قد تعلمت واكتسبت الكثير من الحضارة الايرانية عبر التاريخ وفي كافة المجالات ومنها الثقافية والزراعية وكذلك ما يتعلق منها بالجانب المعنوي والروحي.
انا شخصياً عندي انطباع عميق بأن الايرانيين شعب وقومية عظيمة ذات عزة وشرف وكبرياء وثقة بالنفس، وهي اسس مهمة جداً ولها الاثر الكبير في تقدم وتطور اي بلد يمتلك مثل هذه المقومات.
في الحقيقة يبدو اني منحاز لكم. انتم تمتلكون اكثر من 60 بالمئة من مصادر التغيير، فانتم تملكون مصادر الطاقة الرئيسية المتمثلة بالنفط والغاز الطبيعي والفحم الحجري، اضافة الى ما تملكونه من انواع المعادن كالنحاس والحديد وغيرها. فالمصادر الطبيعية في ايران كثيرة ومتوفرة وانتم تقومون بانتاجها. انتم مثلاً تحتلون المركز الثاني بعد المملكة العربية السعودية من ناحية احتياطي النفط، وتأتون في المركز الثاني بعد روسيا في الغاز الطبيعي، اما النحاس فتحتلون فيه المركز الثالث بعد زامبيا وشيلي. كما تمتازون بامتلاككم لبعض البضائع والمنتجات المهمة كالسجاد والفستق والزعفران.
ان الشعب الايراني شعب راق جداً. فهو شعب يحترم العلاقات الاسرية والاجتماعية حيث يوجد بين ابناء الشعب احترام متبادل. كذلك تهتمون بالنظافة وحماية البيئة وزراعة الاشجار. لقد زرت اكثر من ۶۰ بلداً في العالم، ولاحظت بأن ايران تحتل مركزاً متقدماً في مجال حماية البيئة وهي واحدة من افضل البلدان في هذا الحقل. كما يتميز الشعب الايراني بحسن التعامل الاجتماعي مع الضعفاء والكبار ويتميزون كذلك بانهم يساعدون المظلومين الذين تطلقون عليهم مصطلح المستضعفين.
الشيء الآخر الذي اثار اعجابي في ايران هو احترامكم الكبير للشهداء. فحيثما ذهبت وجدت صور الشهداء ومعظم شوارعكم مسماة باسماء الشهداء وفي الحوزة العلمية هناك صور للشهداء الى جانب صورة الامام الخميني والقائد الخامنئي كما ان لديكم مناسبات ايضاً باسم الشهداء. الشعب كله يكن احتراماً خاصاً للشهداء وارواح الشهداء.
وهذا طبعاً مصدره هو اتباعكم لنهج الامام الحسين الشهيد (ع) واهتمامكم باقامة مراسم عاشوراء. لقد قرأت عن الامام الحسين (ع). ان روحه تعيش عندكم رغم انه عربي المولد والمنشأ. انه اهم شهدائكم وأنا معجب به للغاية.
وعن اجمل ذكرياته في ايران والخواطر المميزة في هذا الفترة خاصة وانه يتقن العربية والفارسية قال السفير تانك: بالطبع لدي ذكريات، ان ايران بلد جميل جداً. وانا معجب جداً بالسيد الخامنئي. لقد شاهدته حين كان يتكلم بالعربية واندهشت لاتقانه لها. انه رجل عظيم ذو روح عظيمة ويتكلم العربية بطلاقة وبصورة مضبوطة مائة في المائة. هو يتكلم بنفس اللهجة العربية التي يتكلم بها العرب ولا يمكن ان تفرق بينه وبين العرب حين يتكلم بهذه اللغة. انا معجب به للغاية.
اما بالنسبة لرئيس الجمهورية السيد احمدي نجاد فقد كنت التقيت به بشكل مباشر عندما كان رئيساً لبلدية طهران. كما التقيته بصورة غير مباشرة في مراسم افتتاح بعض المشاريع الايرانية الصينية المشتركة. هو غني عن الوصف والتعريف، انه متواضع جداً ومنضبط جداً. هو يقود سيارته البيجو العادية بنفسه ويسكن في منطقة متواضعة في طهران، ورصيده المصرفي صفر. ان صفاته هذه تثير اعجابي كثيراً.
الشيء الآخر الذي يثير اعجابي في ايران هم الأكاديميون (الجامعيون) والمثقفون. لقد وجدت ايران بلد الحريات والديمقراطية فالجميع بامكانهم التعبير عن وجهة نظرهم بكل حرية، وقد لا حظت ان الصحف بامكانها توجيه النقد للحكومة. انا معجب بمثقفيكم فهم يمتازون بالحكمة والدراية والفكر.
الناحية الاخرى التي تعجبني في ايران هو انه يوّجد عندكم الكثير من مراكز البحوث والدراسات التي اعتبرها من وجهة نظري الشخصية بنوكاً للفكر والمعلومات التي لا يوجد نظير لها في اي بلد آخر.
وحول موقعه المتوقع في الصين بعد عودته من ايران قال: بصراحة شديدة كان من المفترض لي ان اتقاعد عن العمل قبل عامين اي في نهاية عام ،2005 لأن سن التقاعد حسب القانون الصيني هو .60 وانا من مواليد ،1945 وبذلك كان من المفروض ان احال على التقاعد عام 2005 كما قلت. ولكني لم اتقاعد في حينها لان الحكومة الصينية تعتبر ايران من اهم البلدان في هذه المنطقة من العالم وتعير اهمية خاصة للعلاقات مع هذا البلد. وكان علي كدبلوماسي مخضرم ان اخدم مدة اطول من اجل تعميق العلاقات بين البلدين. وقد كان لي الشرف الكبير بأن اخدم البلدين لمدة خمس سنوات حيث تعلمت واستفدت كثيراً واكتسبت الكثير من الخبرة والتجارب طوال تلك المدة. بعد عودتي الى الصين وتقاعدي اود الانضمام الى اية منظمة شعبية تعمل في صالح خدمة العلاقات بين الصين وايران وذلك من اجل متابعة مايجري في ايران. فالبلدان كانا من اكثر البلدان تعاملاً وتقارباً منذ آلاف السنين، ويجب علينا متابعة هذه المسيرة حاضراً ومستقبلاً لان لدينا معاناة مشتركة وتاريخاً مشتركاً واحداثاً مشتركة ومستقبلاً مشتركاً. كلانا يريد الخير والاستقرار والسلام للجميع والازدهار والرفاهية لشعبينا. لهذا ارجو من كل من يعمل في ايران ومن كل اصدقائنا فيها ان يتابع المسيرة خدمة لشعبينا وبلدينا. وارجو من ايران حكومة وشعباً ان تعتبر الصين من اهم اصدقائها واعتبارها جديرة بالثقة وان لا تتردد في التعاون معها، رغم ان هناك اختلافاً بينهما من ناحية العقيدة والطقوس والعادات ولكن التاريخ يشهد بان البلدين صديقان وليس هناك ما يمنع التعاون العميق والواسع بينهما.
تعالوا ننظر معاً للمستقبل. ان معدل النمو في الصين حالياً هو من اسرع معدلات النمو في العالم، فقد وصل معدل هذا النمو خلال العام الحالي الى 11.3%. اتمنى من ايران كبلد صديق استغلال سرعة النمو الاقتصادي الصيني وبذل مزيد من الجهد في سبيل تعزيز مسيرة التعاون بين البلدين خدمة للمصالح المتبادلة وخدمة لشعبينا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق